رسالة من د. هلا إلى أولياء الأمور: انتبهوا من وهم "علاج التوحد"
الأستاذة الدكتورة هلا السعيد
استشاري نفسي ومدير مركز الدوحة العالمي لذوى الاحتياجات الخاصة بقطر
جميع مواقع التواصل تعرض خبرًا يفيد بأن باحثًا عربيًا توصّل إلى علاج قطعي لاضطراب طيف التوحد، وعليه وصلتني أسئلة كثيرة من أولياء الأمور يسألون عن صحة الموضوع.
وحقيقةً، أنا مثلكم أسمع وأقرأ على وسائل التواصل ولا أعلم مدى صدق هذا الادعاء. وسأردّ على الموضوع من وجهة نظري كمتخصصة في مجال التوحد.
أكيد أنا سعيدة بسماع خبر كهذا عن باحث عربي قدّم شيئًا جديدًا في عالم التوحد. وكاستشارية توحد، أتمنى بالفعل أن يُتوصل إلى علاج فعّال لهذا الاضطراب، حتى نتمكن من تجاوز وصف "التوحد إعاقة غامضة"، والذي يُطلق عليه أحيانًا "المعلوم المجهول".
هل هناك علاج قطعي للتوحد؟ نظرة مهنية
فما هي الحقيقة؟
نُشرت الدراسة مجددًا أمس في مجلة (Children)، وهي تكرار لدراسة أولى نُشرت عام 2020 لنفس الباحث.
تفيد الدراسة أنه طوّر بروتوكولًا دوائيًا تمكّن من خلاله من علاج أعراض طيف التوحد لدى مجموعة من الأطفال باستخدام أدوية مثل "ريسبردون" أو "أريبيبرازول" إلى جانب أدوية للتركيز.
النتائج المزعومة تشير إلى "اختفاء الأعراض تمامًا" في 56% من الأطفال (10 من أصل 18)، وتحسن بنسبة 60–80% لدى الباقين.
ويشمل البروتوكول الدوائي: ريسبيريدون أو أريبيبرازول + أدوية للتركيز + تدخل سلوكي مستمر.
تفاصيل الدراسة الجديدة: البروتوكول الدوائي
من خلال خبرتي وتخصصي العلمي، أقول إن الأدوية المذكورة مثل ريسبيريدون وأريبيبرازول تُستخدم فعليًا لعلاج الفصام، الاضطراب ثنائي القطب، وبعض اضطرابات السلوك لدى الأطفال والمراهقين المصابين بالتوحد أو فرط النشاط.
وهي تعمل على تنظيم الدوبامين والسيروتونين في الدماغ، وتُستخدم عادةً لتخفيف السلوكيات المزعجة مثل فرط الحركة، العدوان، والقلق، لكنها لا تعالج الأسباب الجوهرية للتوحد.
هل تُعالج هذه الأدوية التوحد فعلاً؟
دواء ريسبيريدون وأريبيبرازول يُستخدمان للسيطرة على السلوك العدواني أو الانفعالي الذي لا تستجيب له أدوية التركيز وحدها. لكنها لا تعالج الأسباب العصبية أو الإدراكية للتوحد.
أما أدوية التركيز مثل "ريتالين" فتحسن من الانتباه، لكنها لا تعالج القلق، التهيّج، الذهان، أو التقلبات المزاجية.
بالتالي، هذه الأدوية تساعد فقط في التحكم في السلوكيات المصاحبة، دون أن تؤثر على جوهر التوحد أو تغيّره.
الفرق بين علاج الأعراض وتحسين السلوكيات
التوحد ليس مرضًا له "علاج قطعي"، بل هو اضطراب نمائي عصبي.
وبالتالي، فإن العلاج الحقيقي يركّز على تقليل الأعراض المصاحبة من خلال:
- التدخلات السلوكية (مثل ABA)
- العلاج الوظيفي
- الدعم التربوي
- التواصل اللغوي
هذه التدخلات هي الركيزة الأساسية في التعامل مع اضطراب طيف التوحد، وليست الأدوية وحدها.
موقف الجهات العلمية العالمية من علاج التوحد
حتى اليوم، تؤكد الجهات العلمية العالمية مثل CDC والمعهد الوطني الأمريكي للصحة، أنه لا يوجد علاج يزيل التوحد. بل توجد تدخلات تقلّل الأعراض وتساعد على اكتساب مهارات متنوعة.
لذلك، لا يمكن القول "علاج التوحد"، لأن كلمة "علاج" تفترض إزالة المشكلة الصحية نهائيًا.
خطورة الترويج لوهم الشفاء الكامل
إعلان "اختفاء أعراض التوحد" بنسبة 56% قد يُفهم بشكل خاطئ.
ربما المقصود هو تحسين السلوكيات، وليس شفاء التوحد نفسه.
ولا يمكن اعتبار هذا التحسن دليلًا على الشفاء ما لم يتم إجراء تقييمات دقيقة للسلوك والتواصل والمهارات اليومية.
ما الذي يمكن علاجه فعليًا؟
ما يمكن علاجه هو الأعراض المصاحبة مثل:
- القلق
- العدوانية
- فرط النشاط
- اضطرابات النوم
وذلك عبر تدخلات دوائية وسلوكية. أما التوحد ذاته، فلا يوجد علاج نهائي له.
ضرورة التقييم السلوكي الدقيق قبل الحكم على النتائج
هناك حاجة لتقييم شامل باستخدام أدوات مثل ADOS أو Vineland، وبتحليل درجات التوحد (بسيط – متوسط – شديد).
كما يجب معرفة ما إذا تم إجراء متابعة طويلة الأمد وهل التدخل السلوكي كان مستمرًا.
ملاحظات استشارية: ماذا نقول للأهل؟
البروتوكول الدوائي قد يكون مفيدًا في تحسين السلوك، لكنه ليس علاجًا نهائيًا للتوحد.
وأكرر: التحسن هنا هو في الأعراض السلوكية وليس الشفاء من التوحد.
التوحد ليس مرضًا يُشفى، بل هو نمط تفكير مختلف يولد به الطفل.
ليس خللًا طبيًا، بل اختلاف عصبي يحتاج إلى دعم شامل.
الخلاصة: لا يوجد علاج نهائي... بل دعم وتحسين للحياة
إلى متى سيبقى الطفل التوحدي سلعة تُباع وتُشترى من خلال وعود الشفاء الزائفة؟
ما يُروّج له أحيانًا تحت مسمى "علاج نهائي" هو وهم تسويقي.
لذلك، يجب استبدال مصطلح "علاج التوحد" بعبارة "تحسين السلوكيات المصاحبة". ويجب أن نركّز على:
- دعم التعلم المناسب
- تعزيز مهارات الحياة
- تقوية العلاقات الاجتماعية
- تمكين العائلة والمجتمع
وإن كان هناك من تحسّن جذري، فقد يكون ناتجًا عن خطأ في التشخيص من البداية، وليس عن "شفاء من التوحد".
أقدّر عمل الباحث وبحثه في مجال التوحد، لكنني كاستشارية، أُصرّ على أن أستخدم عقلي وضميري قبل أن أُصدّق.
ملخص المقال:
تناقش الدكتورة هلا السعيد، استشارية التوحد، ما أُثير مؤخرًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشأن إعلان باحث عربي توصله إلى "علاج نهائي للتوحد".
ومن خلال تحليل علمي دقيق، توضّح أن الأدوية المستخدمة في البروتوكول المعلن (مثل ريسبيريدون وأريبيبرازول) لا تعالج التوحد نفسه، بل قد تساعد في تهدئة بعض السلوكيات المصاحبة مثل فرط النشاط أو العدوانية.
وتؤكد الدكتورة هلا أن التوحد اضطراب نمائي عصبي لا يوجد له علاج قاطع حتى اليوم، وأن التدخلات السلوكية والدعم الأسري هما الأساس لتحسين جودة حياة الطفل.
كما تحذّر من الترويج لوهم "الشفاء الكامل"، وتدعو إلى التمييز بين التحسّن السلوكي المؤقت والادعاءات غير المبنية على أسس علمية موثوقة.