شغف وتحدي: مذكرات في مجال التخاطب
د. سامى محمد السعداوى
دكتوراه تربية خاصة محاضر ومدرب معتمد فى مجال ذوى الاحتياجات الخاصة
ورئيس مجلس إدارة Be smart acadmy بالزقازيق
أنا حالياً بدوّر على شباب يشتغلوا معايا في المركز، لكن الملاحظة العامة اللي لاحظتها على مدار المقابلات الشخصية اللي عملتها إن نوعية الناس اللي بتيجي تشتغل بتنقسم كده لعدة أنواع.
في ناس بتيجي وخلاص، كأنها داخلة تجربة حظ، من غير ما تتعب نفسها حتى تعمل ورقة بسيطة توضح فيها مين هي، إيه مهاراتها، أو تكتب C.V يعبر عنها.
ولا كأنها جاية شغل. وفي نوع تاني، ما اشتغلش قبل كده، وأول حاجة بيسأل عليها وهو قاعد قدامي: المرتب كام؟ من قبل حتى ما يعرف هو هيشتغل في إيه، أو إذا كان مؤهل للشغل ده ولا لأ.
ولا عنده أي فكرة عن المفروض يكون جاهز بيه. وفيه شوية قليلين، عندهم خبرة فعلًا، وده طبعًا شيء محترم. بس دايمًا بيكون في تعارض، يا إما ساعات العمل مش مناسبة ليهم، أو المرتب مش مناسب لخبرتهم، وده حقهم.
ملاحظات على سوق العمل ونوعيات الباحثين عن عمل
بس النوع اللي بيفرحني فعلاً، وبيخليني أحس إن لسه في أمل، هم الشباب اللي بيجوا بعقلية: "أنا جاي أتعلم وأكسب خبرة"، مش فارق معاهم قوي المرتب دلوقتي، لأنهم شايفين دي مرحلة من حياتهم، وبعد كده، لما يبقوا جاهزين، يقدروا يطلبوا اللي يستحقوه. النوع ده هو اللي فعلاً أنا محتاجه.
رأيي في الشباب: أصحاب "عقلية التعلم واكتساب الخبرة"
أنا حابب أشارك معاكم تجربتي الشخصية، يمكن حد يستفيد أو تلهم حد تايه. واستأذن أخويا العزيز الدكتور أحمد عبد الحميد في إني اقتبس بعض عباراته في آخر الحكاية.
مشاركة التجربة الشخصية: إلهام للآخرين
أنا اشتغلت أربع سنين من عمري شغل طحن من غير أي مقابل مادي. مش قصدي أقول للناس تشتغل ببلاش، بس قصدي تقول لنفسك "أنا مستعد أشتغل بالقليل"، لحد ما تثبت نفسك وتاخد خبرة. ساعتها بس، حط رجل على رجل واطلب اللي تستحقه.
أربع سنوات من العمل بلا مقابل: دروس في الصبر
أنا بدأت أشتغل من وأنا في خامسة ابتدائي. ومن يومها، كل صيف وكل إجازة، كنت بنزل أشتغل لحد وقت قريب. اشتغلت صبي كهربائي، صبي نجار مسلح، صبي مبيض محارة. اشتغلت كمان بياع عرقسوس وتمر هندي، بياع صابون بريحة، بياع عطارة في السوق.
بداياتي في سوق العمل: من صبي إلى "صنايعي"
وبعدين بدأت أدخل مرحلة جديدة، من مجرد "صبي"، بقيت صنايعي ومعلم. دخلت في سكة التجارة، لأن زمان كانوا بيقولوا "تسعة أعشار الرزق في التجارة". اشتغلت بياع مشابك غسيل في الأسواق، وبياع ملابس أطفال، وخردوات وتوك بنات.
مرحلة "المعلم": الدخول في عالم التجارة
بعدها دخلت مرحلة مختلفة تمامًا. بقيت أنا حر نفسي، أشتغل إمتى وأرتاح إمتى، والتجارة شطارة. اتخرجت من كلية الآداب – قسم اللغة العربية – جامعة الزقازيق، وقدمت على وظيفة "معلم بالحصة"، وكان تقديري "جيد". اشتغلت مدرس بالحصة، وقبضي بسم الله ما شاء الله: 105 جنيه. المية وخمسة كانوا بيروحوا في المواصلات بس، ٣ مواصلات رايح و٣ جاي. ولو في يوم فكرت أجيب فطار من برة، يبقى خلاص شحت.
التخرج وبداية المسار التعليمي: مدرس بـ 105 جنيهًا
بس الحمد لله، كنت لسه شغال في السوق، وتجارتي واقفة معايا. كنت في المدرسة من الأحد للخميس، أما الجمعة والسبت كنت بنزل السوق أشتغل.
الموازنة بين التدريس والتجارة: استمرارية الدعم المادي
قررت بعد كده أكمل في مجال التربية، وبدأت رحلة الدراسات العليا. قدمت على الدبلوم العام في كلية التربية، وأيام ما كانش عندي محاضرات، كنت في السوق أبيع مشابك غسيل. وتخرجت الحمد لله بتقدير ممتاز.
رحلة الدراسات العليا: الدبلوم العام في التربية
في السنة اللي بعدها، قدمت على وظيفة مدرس بعقد، وفي نفس الوقت بدأت دبلوم خاص في الصحة النفسية. وقتها ماكانش فيه حاجة اسمها "تمهيدي ماجستير"، فكنت داخل على الماجستير مباشرة. قبل امتحانات الدبلوم الخاص بأسبوع، حضرت ندوة عن مشاكل الشباب وسوق العمل. كل اللي اتقال في الندوة كان محبط، كأن الدنيا سودا.
تحديات وفرص: دبلوم الصحة النفسية وعرض منحة ICDL
بس أنا عكس كل التوقعات، طلبت الكلمة، وحكيت تجربتي كاملة. فجأة لقيت الناس بتسقف لي، ومش مصدقين. ومن ضمن المفاجآت، جالي عرض بمنحة ICDL لمدة ٣ شهور، ٣ أيام في الأسبوع، وكنت هاخد في اليوم ٥ جنيه! طبعًا، في الوقت ده كانت فرصة من الدهب: منحة، شهادة كمبيوتر، وفلوس كمان. لكن المشكلة إن مواعيد المنحة كانت من 10 الصبح لـ1 الظهر، وأنا امتحاناتي كانت من 1 لـ4. يعني، الصبح ضاع!
المذاكرة تحت الضغط: إصرار على تحقيق الامتياز
بس سكت؟ أبدًا! خدت الموضوع تحدي. بقيت أذاكر بالليل، وأسهر، وحلمي في الماجستير بيقرب كل يوم. والحمد لله، جبت امتياز، وطلعت التاني على الدفعة.
تحول المسار الأكاديمي: منحة الجامعة الكندية وقسم التربية الخاصة
بعد كده، وكنت خلاص ناوي أسجل ماجستير صحة نفسية، الكلية أعلنت عن منحة من الجامعة الكندية، لأوائل قسم تربية خاصة، بشرط يكون معاهم دبلوم مهني تربية خاصة. رجعت تاني، وخدت دبلوم مهني قسم تربية خاصة، وفي نفس السنة حصللي ٣ حاجات: الأولى: تمهيدي ماجستير اتضاف كسنة جديدة. الثانية: اضطريت أمتحن مواد زيادة كنت هخلص منها لو كنت أخدت دبلوم خاص تربية خاصة من الأول. والثالثة: المنحة اتلغت، والمشروع كله فشل.
عقبات البحث العلمي: طريق الماجستير الضبابي
بس برغم كده، خلصت الدبلوم المهني، امتحنت المواد المحملة، وكملت التمهيدي، وبدأت أبحث عن عنوان الماجستير. وقتها حسيت إن الطريق ضبابي، زي أي باحث جديد. كل ما أروح لدكتور بعنوان، يقول لي: "الموضوع ده قُتل بحثًا". نفسي أعرف مين قتله، كنت انتقمت منه! كنت على وشك اليأس، وقررت أركّز في المدرسة والتجارة، اللي كانت بتصرف على دراستي وكتبي وكل حاجة.
المنقذة: دور الأستاذة المشرفة في رحلة الماجستير
لحد ما ربنا بعتلي المنقذة: أستاذتي ومشرفتي، اللي ليها بعد ربنا فضل كبير في اللي أنا فيه دلوقتي. لما شافت فيا الإصرار، والإلحاح، والابتسامة اللي ما بتفارقني، ساعدتني أظبط فكرة بحثية جديدة، وعدلنا عليها، وسجلت ماجستير في تربية خاصة – تخصص اضطراب لغة وتواصل.
الموازنة بين الدراسة والعمل: سنوات من الالتزام
طول اليوم كان مقسم: من 8 لـ1 في المدرسة، ومن 1:30 لـ4 في الكلية، وبالليل في كورسات ودورات، وجمعة وإجازات في السوق. مرتبي؟ 105 جنيه لمدة خمس سنين، وكنت راضي. عدت سنين، كنت بقسم وقتي بين المدرسة، والدروس، والتربية الخاصة، والتجارة.
مرحلة الدكتوراه: التحدي الأكبر في اختيار الموضوع
دخلت على مرحلة الدكتوراه، واختياري للموضوع كان أسهل من الماجستير لأن عندي خبرة، بس أصعب من حيث نوع العينة وطبيعة البرنامج. في الماجستير، اشتغلت على تأثير إخوة الطفل المتلعثم. وفي الدكتوراه، ركزت على أطفال اضطراب طيف التوحد.
سؤال غير مجرى حياتي: أهمية الخبرة العملية في التوحد
قدمت الخطة لمشرفتي، وكانت نظريًا مقبولة، بس عمليًا كانت ضعيفة، لأن ماكانش عندي خبرة مباشرة مع أطفال التوحد. سألتني سؤال غيّر مجرى حياتي: "اشتغلت مع طفل توحد قبل كده؟" قلت لها لأ، فقالتلي: "يبقى روح اشتغل معاهم الأول، وبعدين تعالى اعمل بحث علمي".
التدريب في مستشفى الزقازيق: تجربة مكثفة رغم انتهاء الشهادة
قدمت تدريب عملي في مستشفى الزقازيق الجامعي – قسم التخاطب، واشتغلت سنتين كل أسبوع يومين: السبت والخميس. كنت بروح من 9 الصبح لـ2 الظهر، ضغط شغل رهيب، ومفيش حتى وقت أشرب فيه ميه. قبل ما المدة تخلص بأيام، المدير العام اتغير، وقرروا يلغوا التدريب، والشهادة اللي مستنيها… راحت. بس خدت خبرة كبيرة جدًا. ولما بدأت أشتغل على موضوع الدكتوراه، قررت أشتغل على برنامج "ماكتون" للتواصل مع أطفال التوحد.
إتقان برنامج "ماكتون": البحث عن المعرفة والإصرار على التعلم
دورت على مكان أتعلم فيه البرنامج، ملقتش. لحد ما صدفة قابلت زميل، قالّي إنه رايح دورة مجانية ٥ أيام من إدارة التربية الخاصة. رحت معاه، وترجّيت المدربة إني أحضر. وافقت بشرط إن مفيش شهادة. حضرت الخمسة أيام، وكنت مركز جدًا. وبعدين حضرت نفس الدورة تاني في كفر الشيخ، وبعدين في بنها، علشان أستوعب كل حاجة.
الموافقة على خطة الدكتوراه: نقطة تحول جديدة
لما أتقنت البرنامج، واشتريت الحقيبة التدريبية، قدمت خطة جديدة للدكتوراه، وتمت الموافقة عليها من أول مرة.
سنوات التطوع وتأسيس مركز Be Smart Academy: تحقيق الحلم
من هنا، بدأت مرحلة جديدة. اتفتحت كلية علوم ذوي الإعاقة والتأهيل في جامعة الزقازيق. تطوعت أشتغل فيها سنتين بدون مقابل، كأخصائي تخاطب وتنمية مهارات، وأول مرة أخدت شهادة بـ500 ساعة تدريب. شتغلت في مراكز كتير، بمرتب بسيط أو نسبة. لحد ما أسست مركز Be Smart Academy وإن شاء الله، لو لسه معايا، هبقى أحكيلكم في مرة تانية ليه قررت أفتح المركز.
خلاصة تجربتي: نصائح قيمة للشباب
الخلاصة اللي ماحدش قالهالي: إياك تشتغل شغل بره مجالك بعد ما تدخل الكلية. بس قبل الكلية؟ اشتغل واتعلم صنعة، علشان تبقى دايمًا واقف على رجلك. بعد ما تتخرج، وتبني شوية خبرة، من حقك تتشرّط وتقول: "أنا عايز كذا"، و"مرتبى كذا". لكن في البداية؟ أرضى، حتى لو من غير مرتب. ابني نفسك، واصبر، والخبرة هتفتحلك أبواب عمرها ما كانت تتفتح لغيرك. الكلام مش موجه لحد بعينه، بس نفسي أختصر عليكم الطريق اللي أنا مشيت فيه.
العمل قبل وبعد الكلية: متى يكون الهدف ماديًا ومتى يكون لتحقيق الذات
قبل الكلية؟ اشتغل علشان الفلوس. وأثناء الكلية وبعدها؟ اشتغل علشان تحقق ذاتك، وتبني مستقبلك، وتكسب كمان. وأنا لكم ناصح أمين.
اقرأ أيضا: كيف تصبح أخصائي تخاطب معتمد ومحترف