recent
اخر الأخبار

من أسيوط إلى العالمية: المهندس أحمد الكومي حوّل الإعاقة إلى إنجاز

specialegypt
الصفحة الرئيسية

نموذج مشرف من ذوي الإعاقة الحركية: تعرف على مسيرة أحمد ممدوح الكومي

ليس من السهل أن تصنع طريقك في عالمٍ مليء بالحواجز، خاصة حين تكون هذه الحواجز مزدوجة: جسدية ومجتمعية. ومع ذلك، هناك من يختار أن يتجاوز كل هذا، ويعيد تعريف الممكن والمستحيل. 
من بين هؤلاء، يبرز المهندس أحمد ممدوح الكومي، أحد أبناء محافظة أسيوط، والذي حوّل إعاقته الحركية من عائق جسدي إلى وقود لرحلة نجاحٍ استثنائية، جعلت منه صوتًا فاعلًا في قضايا تمكين ذوي الهمم، ونموذجًا يُحتذى به في المجتمع المصري.

في هذا المقال، نستعرض سيرة ومسيرة هذا الرجل الذي أثبت أن الإعاقة ليست عجزًا، بل اختلافًا قادرًا على التميز. من قريته الريفية في "أم القصور"، إلى المحافل الدولية، ومن مقاعد الدراسة إلى ساحات النضال المجتمعي والسياسي، كتب أحمد ممدوح الكومي اسمه بأحرف من نور في سجل الناشطين في مجال الإعاقة والتنمية.

المهندس أحمد ممدوح الكومي، أحد نماذج ذوي الإعاقة الملهمة في مصر، خلال مشاركته في حفل ختام برنامج اللغة الإنجليزية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة

تابع معنا قصة إنسانٍ لم ينتظر الفرص، بل صنعها، وسعى إلى أن يكون التغيير الذي يؤمن به.

النشأة والبدايات: من أم القصور بدأت الحكاية

وُلد المهندس أحمد ممدوح الكومي في قرية "أم القصور" التابعة لمركز منفلوط بمحافظة أسيوط، تلك القرية التي تجمع بين الأصالة الريفية والوعي المجتمعي والسياسي. نشأ في أسرةٍ مصرية عريقة، عُرفت باهتمامها بالشأن العام، ما ساهم في تكوين شخصيةٍ واعية، مدركةٍ لمعاني الانتماء والمسؤولية منذ سنواته الأولى.
رغم ما واجهه من تحديات نتيجة الإعاقة الحركية التي أصيب بها في طفولته، لم تكن الإعاقة حاجزًا أمامه، بل كانت دافعًا للمضي قدمًا، متحديًا الصعوبات، ومؤمنًا بقدرته على المساهمة الفعالة في المجتمع. لقد تشكّلت ملامح هذه الشخصية الفريدة في بيئةٍ ريفية تحتضن القيم، وتغرس في أبنائها مفاهيم الكفاح، ما جعله منذ صغره نموذجا يحتذى به في الإصرار والاعتماد على النفس.

الرحلة التعليمية: العلم طريق التمكين

منذ سنواته الدراسية الأولى، أدرك أحمد ممدوح الكومي أن العلم هو السلاح الأقوى لمن يريد أن يصنع فرقًا حقيقيًا. التحق بكلية الزراعة – جامعة أسيوط، واختار أن يتخصص في شعبة الصناعات الغذائية، ليحصل على بكالوريوس العلوم الزراعية، مُسلحًا بفهمٍ عميق لاحتياجات المجتمع الريفي الذي نشأ فيه، ورؤية تنموية قائمة على التمكين الاقتصادي والمعرفي.
لم يكن التعليم بالنسبة للكومي مجرد شهادة جامعية، بل كان منهج حياة، ووسيلة لترسيخ قناعته بأن ذوي الإعاقة قادرون على الإنجاز إذا ما أُتيحت لهم الفرصة. وقد انعكس هذا الفهم لاحقًا في انخراطه في العديد من الأنشطة البحثية والمجتمعية المرتبطة بقضايا التنمية وحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.
ومع مرور الوقت، وسّع الكومي أفقه الأكاديمي والمهني بالمشاركة في برامج تدريبية دولية، لعل أبرزها منحة الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (JICA) عام 2019، والتي أهلته ليكون أحد الأصوات المؤثرة في إفريقيا فيما يتعلق بمفهوم المعيشة المستقلة وتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة.
وبين جدران قريته الهادئة، بدأ الكومي أولى خطواته نحو التعلّم والتميّز، ليتحول مع الوقت من طفل يحلم إلى رائد تنموي وحقوقي يحمل رسالة واضحة مفادها: "نحن قادرون بإرادتنا، ومشاركتنا ليست استثناء بل حق".

من المحلية إلى العالمية: الكومي في المحافل الدولية

لم تكن طموحات أحمد ممدوح الكومي محصورة في حدود قريته أو محافظته، بل امتدت لتبلغ المحافل الدولية، حيث أثبت أنه نموذج مصري مشرف لذوي الإعاقة القادرين على تمثيل وطنهم باقتدار.
في عام 2019، اختير الكومي للمشاركة ممثلًا عن مصر في برنامج تدريبي دولي نظمته الوكالة اليابانية للتعاون الدولي (JICA) في كل من اليابان وتايلاند، ضمن مشروع لتعزيز المعيشة المستقلة وتمكين الأشخاص ذوي الإعاقة في القارة الإفريقية. 
كانت هذه التجربة محطةً محورية في مسيرته، ليس فقط لأنها فتحت له آفاقًا جديدة على مستوى المعرفة والتجربة، ولكن لأنها عمّقت إيمانه بأن الاستقلالية ليست رفاهية بل حقٌ أساسي يجب أن يتمتع به كل إنسان.

المهندس أحمد ممدوح الكومي أثناء استلامه شهادة التقدير ضمن برنامج المعيشة المستقلة للأشخاص ذوي الإعاقة بأفريقيا، بتنظيم JICA في بانكوك عام 2019

عاد الكومي من تلك التجربة محمّلاً بأفكارٍ تنموية ورؤية شاملة لتفعيل مشاركة ذوي الهمم في مختلف مناحي الحياة. وقد انعكست تلك الرؤية لاحقًا في مبادراته المجتمعية، ومداخلاته في المؤتمرات، وأبحاثه التي تناولت مفاهيم مثل "العيش المستقل"، و"الدمج المجتمعي"، و"الإعاقة في زمن الجوائح".
لقد أصبح الكومي من الأصوات النادرة التي تجمع بين الخبرة الميدانية والطرح الحقوقي المتقدم، ما جعله يُعدّ مرجعًا في مجال الإعاقة داخل مصر وخارجها.

التمكين المجتمعي والقيادة الميدانية: نحو مجتمع أكثر شمولاً

إذا كان أحمد ممدوح الكومي قد بنى نفسه أكاديميًا ومهنيًا، فإنه لم يكتفِ بذلك، بل قرر أن يكون جزءًا فاعلًا من التغيير الحقيقي على الأرض، من خلال العمل المجتمعي والتنموي المنظم.
 على مدار أكثر من عشرين عامًا، انخرط الكومي في عشرات المبادرات والجمعيات والمشروعات التي تستهدف تمكين ذوي الإعاقة وتعزيز العدالة الاجتماعية، وخاصة في صعيد مصر.
ترأس الكومي جمعية القوة والإرادة لتنمية المجتمع، وهي إحدى منظمات الأشخاص ذوي الإعاقة، وكان من أبرز أنشطتها تنظيم مؤتمرات للتوعية، وتنفيذ برامج اقتصادية وتعليمية تهدف إلى تحسين جودة حياة ذوي الهمم وأسرهم.
كما شارك بفاعلية في مبادرة "حياة كريمة" من خلال اللجنة المجتمعية بقرية أم القصور، مساهماً في رصد احتياجات ذوي الإعاقة واقتراح الحلول المناسبة.
وفي ديسمبر 2024، أثبت الكومي مرة أخرى قدراته القيادية من خلال رئاسته لمؤتمر التمكين الثقافي لإقليم وسط الصعيد الثقافي، الذي عُقد بقصر ثقافة أسيوط تحت عنوان: "نحو مجتمع أكثر شمولية – اختلافك خطى نجاحك".
لم يكن المؤتمر مجرد حدث شكلي، بل منصةً حقيقية لعرض رؤى فنية، وبحثية، وتجريبية حول قضايا الإعاقة، من إعداد وتنفيذ ذوي الشأن أنفسهم.
قاد الكومي جلسات حوارية، وقدم أوراق عمل، وكرّم عددًا من النماذج الملهمة، مؤكدًا أن الثقافة والفن أدوات فعّالة للتمكين، تمامًا كالتعليم والتوظيف.

المواقف السياسية والتجربة الانتخابية: صوت ذوي الهمم في البرلمان

في عام 2015، اتخذ المهندس أحمد ممدوح الكومي قرارًا جريئًا قلّما يُقدم عليه شخص من ذوي الإعاقة في مصر، حين ترشّح كمستقل في انتخابات مجلس النواب عن دائرة مركز منفلوط بمحافظة أسيوط، متحديًا كل الصور النمطية والأفكار المسبقة التي طالما حاصرت أصحاب الهمم.
لم تكن هذه الخطوة مجرد محاولة للوصول إلى مقعد برلماني، بل كانت رسالة قوية للمجتمع والدولة مفادها أن الأشخاص ذوي الإعاقة ليسوا على الهامش، بل في صميم الفعل السياسي والمجتمعي.
وقد أصر الكومي على خوض الانتخابات على المقعد الفردي، وليس عبر القوائم أو التعيينات، في تأكيد رمزي على قدرته على المنافسة الكاملة، والمشاركة الفاعلة دون وصاية.
ورغم التحديات، أدار الكومي حملته بروحٍ مفعمة بالإيمان بقدرة ذوي الإعاقة على تمثيل أنفسهم والتعبير عن احتياجاتهم من داخل قبة البرلمان. رفع شعار "قادرون باختلاف"، ودعا إلى تشريعات عادلة، وخدمات دامجة، وبيئة مهيئة، تحفظ الكرامة وتحقق العدالة الاجتماعية.
وقد مثّل الكومي ذوي الإعاقة في عدد من جلسات الحوار المجتمعي حول مشروع قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وكان أحد النشطاء الذين نقلوا نبض الشارع وواقع المعاناة إلى صانع القرار، بروحٍ من الصدق والانتماء.

التكريمات والإنجازات: من المحلية إلى الوطنية والدولية

لم تمر مسيرة المهندس أحمد ممدوح الكومي مرور الكرام، فقد حظي بتقدير واسع على المستويين المحلي والدولي، نتيجة جهوده المستمرة في تمكين ذوي الإعاقة، ونشر ثقافة الدمج، والدفاع عن الحقوق الإنسانية لهذه الفئة.
في عام 2021، حصل على لقب "سفير الوعي لمحافظة أسيوط"، ضمن برنامج سفراء الوعي التابع لوزارة التضامن الاجتماعي بالتعاون مع مؤسسة القادة.
جاء هذا التكريم ليؤكد على ما حققه من أثر ملموس في تعزيز الوعي المجتمعي بقضية الإعاقة، وعلى دوره كحلقة وصل بين المواطن والجهات التنفيذية.
كما نال الكومي عشرات شهادات التقدير من مؤسسات رسمية ومدنية، تقديرًا لمشاركاته في المؤتمرات، وورش العمل، والمبادرات المجتمعية. وكان من بين النماذج المكرَّمة في فعاليات محلية شارك فيها ممثلون عن جهات دولية مثل GIZ والوكالة الأمريكية للتنمية (USAID).
ولم تقتصر إنجازاته على التكريمات الرمزية، بل كان حاضرًا في ساحات التدريب والتثقيف، حيث عمل مدربًا معتمدًا في مجالات مثل: التنمية المحلية، ريادة الأعمال، الدمج المجتمعي، التمكين الاقتصادي، ومهارات القيادة، سواء عبر جهات حكومية مثل وزارة الشباب والرياضة، أو من خلال مؤسسات أكاديمية وثقافية كهيئة قصور الثقافة.
كما شارك في برنامج "العباقرة – نسخة قادرون باختلاف" عام 2023، ليُبرهن من جديد أن العقول اللامعة لا تحدّها الإعاقات، وأن أصحاب الهمم لا ينقصهم شيء إذا ما أُتيحت لهم الفرصة العادلة.

الفلسفة الشخصية والرؤية المستقبلية: لا شفقة، بل عدالة وفرص

في كل مرحلة من مراحل حياته، ظل المهندس أحمد ممدوح الكومي يحمل قناعة راسخة: أن ذوي الإعاقة لا يحتاجون إلى نظرات الشفقة، بل إلى فرص عادلة ومتكافئة، تتيح لهم الانطلاق والمشاركة الكاملة في بناء المجتمع. 
هذه القناعة لم تكن مجرد شعار، بل تحولت إلى فلسفة حياة، تتجسد في كل مبادرة شارك بها، وكل موقف تبناه، وكل كلمة نطق بها.
يقول الكومي:
"لم أكن يومًا مدافعًا عن قضية من بعيد، بل اخترت أن أكون جزءًا من معاركها اليومية. أؤمن أن أصغر دعم حقيقي، خير من ألف شعار فارغ..."

من هنا، جاءت مشاركته الفاعلة في تأسيس نادي العيش المستقل للأشخاص ذوي الإعاقة في مصر، ومبادراته التي تُرسخ لمفهوم "الدمج الشامل" و"التنمية المرتكزة على المجتمع"، مستلهِمًا تجاربه الشخصية، ودراسته، وخبراته المحلية والدولية.

ومع كل ما حققه، لا يزال الكومي يرى أن الطريق لم ينتهِ بعد، بل بدأ لتوّه. فتمكين ذوي الهمم في مصر – من وجهة نظره – يتطلب تحولًا ثقافيًا، وإرادة سياسية، وتنسيقًا جادًا بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني، بالإضافة إلى تعزيز حضور الأشخاص ذوي الإعاقة كصانعي قرار لا كمجرد مستفيدين.

وفي ظل مسيرته الملهمة، يواصل أحمد ممدوح الكومي أداء رسالته الإنسانية والوطنية، مُلهِمًا أجيالًا جديدة من أبناء ذوي الهمم، ودافعًا المجتمع نحو رؤية أكثر نضجًا وإنصافًا وشمولًا.

google-playkhamsatmostaqltradent