recent
اخر الأخبار

دور الذكاء الاصطناعي في تمكين ذوي القدرات الخاصة المكفوفين نموذجًا

specialegypt
الصفحة الرئيسية

الذكاء الاصطناعي وذوى الهمم 

بقلم الدكتور أحمد سيد المصري 

دكتوراه فى علم الاجتماع جامعة عين شمس 

في رحلتنا عبر التاريخ، شهدت البشرية تحولات مذهلة بفضل الثورات التقنية في القرون القليلة الأخيرة، والتي كان من شأنها تجاوز الحواجز وإتاحة آفاق أوسع وأيسر لإنجاز المهام المختلفة. 

ومن هذه الثورات التقنية، يبرز الذكاء الاصطناعي، هذه القوة التكنولوجية الصاعدة، التي بدأت في كشف آفاقها الواعدة. ومع ولادة الذكاء الاصطناعي (AI)، انفتحت آمال جديدة غير مسبوقة لمد يد العون للفئات الأكثر حاجة للدعم في مجتمعنا

صورة مقربة للدكتور أحمد سيد المصري، وهو رجل ذو إعاقة بصرية، يرتدي سترة فاتحة اللون وقميصًا داكنًا، يتحدث أمام ميكروفون، مع وجود لوحة تعريفية أمامه تحمل اسمه.

وعلى رأسهم ذوي الهمم، لاسيما المكفوفين منهم. فلم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد تقنية واعدة بالمستقبل، بل أصبح أداة حقيقية تُحدث ثورة في حياتهم اليومية، وتوفر لهم استقلالية واندماجًا لم يكن ممكنًا في السابق على هذه الصورة المبهرة.

الذكاء الاصطناعي دليلًا ورفيقًا للمكفوفين

دعونا نتأمل كيف يغير الذكاء الاصطناعي حياة المكفوفين وضعاف البصر، الذين يمثلون قصة نجاح ملهمة. لطالما عانوا صعوبات جمة في حياتهم اليومية، بدءًا من عناء التنقل وحتى الشعور بالعزلة في الوصول للمعلومات أو التفاعل الاجتماعي. 

ولكن اليوم، وبفضل بصيص أمل الذكاء الاصطناعي، تتحول تلك التحديات القاسية إلى فرص واعدة، من خلال تطبيقات وأدوات ذكية تتيح لهم:

أولاً: التنقل المستقل والآمن

هل يمكنكم تخيل ذلك؟ عالم يصبح فيه التجول في الأماكن العامة للمكفوفين رحلة آمنة ومليئة بالثقة، دون الحاجة لمساعدة المرافقين. هذا ليس حلمًا بعيدًا بفضل أنظمة الملاحة المدعومة بالذكاء الاصطناعي.

 تعمل الكاميرات الذكية وأجهزة الاستشعار المدمجة في العصي أو الأجهزة القابلة للارتداء على تحليل البيئة المحيطة لحظة بلحظة، وتحديد العوائق، وإشارات المرور، وحتى قراءة لافتات الشوارع. 

يتم تحويل هذه المعلومات إلى إرشادات صوتية دقيقة أو اهتزازات، مما يوجه المستخدم بفعالية ويجنبه المخاطر. بعض النماذج المتطورة يمكنها حتى وصف المشهد المحيط بالتفصيل، مما يمنحهم شعورًا بالوعي البيئي الغني وكأنهم "يرون" العالم من حولهم.

ثانياً: الوصول إلى المعلومات بسلاسة

لطالما كان الوصول إلى المحتوى المكتوب عائقًا كبيرًا للمكفوفين، فلم يكن متاحًا إلا من خلال مرافق أو مواد صوتية مسجلة. هنا يأتي دور تحويل النص إلى كلام (Text-to-Speech) المدعوم بالذكاء الاصطناعي، والذي وصل إلى مستويات مذهلة من الطبيعية والدقة.

 لم يعد الأمر مقتصرًا على قراءة الكتب والمقالات فحسب، بل يمتد ليشمل قراءة قوائم الطعام، الملصقات على المنتجات، وحتى الوثائق المعقدة. بالإضافة إلى ذلك، تتيح تقنيات التعرف البصري على الأحرف (OCR) المدعومة بالذكاء الاصطناعي مسح أي نص مطبوع وتحويله إلى صيغة رقمية يمكن قراءتها صوتيًا. 

كما أن المساعدات الصوتية مثل "مساعد جوجل" و"سيري" تفتح لهم آفاقًا جديدة للبحث عن المعلومات وتنفيذ المهام من خلال الأوامر الصوتية بكل سهولة.

ثالثاً: تعزيز التفاعل الاجتماعي

يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دورًا جوهريًا في إحداث مزيد من الدمج والتفاعل الاجتماعي للمكفوفين في المجتمع. فمثلاً، تعمل تطبيقات التعرف على الوجوه التي تعمل بقوة الذكاء الاصطناعي

على مساعدة المكفوفين في التعرف على الأشخاص من حولهم، وإخبارهم بوجود صديق مقرب أو فرد من العائلة في محيطهم، مما يزرع البهجة في قلوبهم.

 كما يمكن للذكاء الاصطناعي تحليل تعابير الوجه ونبرات الصوت لتقديم وصف تقريبي لمشاعر المتحدث، مما يعزز الفهم والتفاعل الاجتماعي بشكل أعمق.

الذكاء الاصطناعي وذوي الهمم بشكل عام

دور الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على المكفوفين فقط؛ بل يمتد ليشمل فئات أخرى من ذوي الهمم:

ذوي الإعاقات السمعية: يمكن للذكاء الاصطناعي تحويل الكلام إلى نص في الوقت الفعلي، وتوفير ترجمة فورية للغة الإشارة، مما يسهل التواصل بشكل غير مسبوق ويفتح لهم أبوابًا جديدة للمشاركة.

ذوي الإعاقات الحركية: تتيح لهم واجهات التحكم الصوتي والعينين المدعومة بالذكاء الاصطناعي التحكم في الأجهزة الذكية، الحواسيب، وحتى الكراسي المتحركة، مما يمنحهم قدرة أكبر على الاستقلالية والحرية في التحرك والتعبير عن أنفسهم.

ذوي الاضطرابات المعرفية أو التوحد: يمكن للذكاء الاصطناعي تصميم برامج تعليمية وتدريبية مخصصة، وتوفير دعم سلوكي يساعدهم على التكيف مع البيئات المختلفة واكتشاف إمكاناتهم الكامنة.

التحديات والرؤية المستقبلية: نحو عالم أكثر شمولاً

رغم هذا التقدم الهائل الذي يبعث على الأمل، لا تزال هناك تحديات. يجب أن نضمن أن تكون هذه التقنيات متاحة للجميع، بغض النظر عن وضعهم الاقتصادي. كما أن هناك حاجة ملحة لزيادة الوعي المجتمعي بأهمية هذه الأدوات ودمجها في البنى التحتية والتعليم.

لابد من عدالة توزيع هذه التطبيقات الذكية عالميًا، وإيجاد المطورين والمبرمجين المحليين لتطبيقات وطنية تكون أقل تكلفة، إلى جانب تدعيم البنى التحتية التكنولوجية لزيادة سرعة شبكة الإنترنت ووصولها إلى كافة الفئات المستحقة، لأن أدوات الذكاء الاصطناعي تعتمد بشكل أساسي على الإنترنت.

علينا أيضاً أن نستفيد من هذه التطبيقات في إيجاد فرص عمل حقيقية لذوي الهمم، لاسيما المكفوفين، وتدعيم ثقافة أصحاب العمل في هذا الصدد.

وتجدر الإشارة هنا إلى أهمية أن يكون في وعي المستخدمين للذكاء الاصطناعي، من ذوي الهمم ومن غيرهم، أن هذه الأداة هي مساعد قوي وليست بديلاً كاملاً. لا يمكن الاستغناء أبدًا عن العنصر البشري الحيوي والإبداعي، مع أهمية التحقق الدائم من المعلومات الصادرة عن الذكاء الاصطناعي لأنها ليست صحيحة 100% دائمًا. 

وعلينا ألا نشارك معلومات شخصية حساسة لهذه الأدوات. بمعنى آخر، لنتعامل معها بذكاء وحذر، نستفيد من جوانبها الإيجابية ونتجنب قدر المستطاع جوانبها السلبية لهذه الأدوات الحديثة والسريعة التطور جدًا في آن واحد.

وفي المستقبل، نتوقع أن يصبح الذكاء الاصطناعي أكثر تكاملاً في نسيج حياتنا، ليقدم حلولًا أكثر تخصيصًا وذكاءً. قد نرى أجهزة مساعدة شخصية أكثر تعقيدًا تتكيف باستمرار مع احتياجات المستخدم، وأنظمة منزلية ذكية تتفاعل بشكل حدسي، وربما حتى تقنيات طبية تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتحسين جودة الحياة بشكل جذري وغير مسبوق.

إن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة ترفيهية أو تكنولوجية فحسب؛ إنه قوة دافعة نحو مجتمع أكثر رفاهية وتقدمًا وشمولية للجميع. ولكن علينا ألا ننسى في الوقت نفسه أن الذكاء الاصطناعي مساعدٌ أمين، وليس بديلاً عن عبقرية وإبداع العنصر البشري.

اقرأ أيضا: الأيام الدولية لذوى الإعاقة

google-playkhamsatmostaqltradent