برنامج الفلور تايم لتنمية أطفال التوحد وذوي الاحتياجات الخاصة
أخر تحديث 31 مايو 2025
في عالم تزداد فيه الحاجة إلى برامج تدخل متقدمة وشاملة لدعم الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد، برز برنامج فلور تايم Floortime كواحد من أكثر النماذج العلاجية تميزًا وشمولاً.
بخلاف المناهج التي تركز فقط على تعديل السلوك، يقدّم هذا البرنامج نهجًا إنسانيًا وتفاعليًا يعيد بناء قدرات الطفل من الداخل، مستندًا إلى مبدأ بسيط لكنه عميق: العلاقة العاطفية هي مفتاح النمو الحقيقي.
يعتمد برنامج فلور تايم على نموذج DIR/Floortime الذي طوره الطبيب الشهير ستانلي غرينسبان، والذي يؤمن بأن كل طفل – حتى من يعانون من صعوبات شديدة – يمكنه أن يتقدم إذا ما تم التواصل معه بطريقة تحترم نمطه الحسي والعاطفي، وتدعمه في بيئة آمنة مليئة بالتفاعل واللعب الهادف.
في هذا المقال الشامل، نأخذك في جولة معمقة للتعرف على برنامج فلور تايم: من نشأته العلمية، ومفاهيمه الأساسية، ومراحله التطورية، إلى تطبيقاته العملية في المنزل ومع المتخصصين.
كما نسلط الضوء على أبرز الدراسات التي أثبتت فاعليته في تحسين مهارات التواصل، اللعب، التعلق العاطفي، وتقليل أعراض التوحد.
سواء كنت والدًا يبحث عن أمل جديد لطفلك، أو مختصًا يتطلع إلى أدوات فعالة، أو باحثًا مهتمًا بأحدث أساليب التدخل المبكر – فإن هذا الدليل يُعد مصدرًا موثوقًا ومتكاملاً حول برنامج فلور تايم لتنمية أطفال التوحد وذوي الاحتياجات الخاصة.
الدكتور ستانلي غرينسبان ومنهجية DIR
يُنسب الفضل في تطوير منهجية "فلور تايم" إلى الدكتور ستانلي آي. غرينسبان Stanley I. Greenspan، وهو طبيب نفسي للأطفال وباحث بارز، ومساعديه في عام 1979. لم يكن غرينسبان مجرد معالج، بل كان رائدًا في فهم نمو الطفل من منظور شامل، مؤكدًا على أهمية العلاقات العاطفية في تشكيل القدرات المعرفية والاجتماعية.
كتاب "Engaging Autism": مرجع أساسي في منهجية فلور تايم
يُعد كتاب "Engaging Autism: Using the Floortime Approach to Help Children Relate, Communicate, and Think" (بالعربية: إشراك التوحد: استخدام منهجية فلور تايم لمساعدة الأطفال على التواصل والتفكير وبناء العلاقات) من الأعمال المرجعية الرائدة في مجال دعم الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد (ASD).
تأليف: د. ستانلي آي. غرينسبان، ود. سيرينا ويدر.
الناشر: Perseus Books.
سنة النشر: 2006.
يُعد هذا الكتاب من الأعمال المرجعية الرائدة في مجال دعم الأطفال المصابين باضطراب طيف التوحد (ASD)، حيث يطرح منهجًا شاملاً وتكامليًا يعتمد على نموذج "فلور تايم" (DIR/Floortime)، الذي يركّز على تطوير قدرات الطفل في التواصل والتفكير وبناء العلاقات، بدلًا من الاقتصار على تعديل سلوكيات ظاهرية محدودة.
يؤمن المؤلفان أن أطفال التوحد ليسوا محكومين بحدود ثابتة، بل لديهم قابلية حقيقية للنمو والتطور إذا تم إشراكهم بطرق صحيحة وعاطفية في بيئتهم اليومية.
يتميّز الكتاب بتركيزه العميق على أهمية التفاعل اليومي بين الطفل ومحيطه، ويقدم دليلًا عمليًا للآباء ومقدمي الرعاية حول كيفية استغلال كل لحظة في اليوم لبناء روابط عاطفية وتعليمية مع الطفل.
كما يوضح كيف يمكن للعب التفاعلي والدراما الرمزية أن تصبح أدوات فعالة لتحفيز النمو الانفعالي والمعرفي، وتعزيز استخدام اللغة والرموز والمعاني.
يركز الكتاب أيضًا على أهمية التدخل المبكر، مشيرًا إلى أن تطبيق منهجية فلور تايم في مراحل الطفولة الأولى – حتى عند ظهور إشارات مبكرة فقط للتوحد – قد يساهم أحيانًا في الحد من تطور التوحد الكامل أو تخفيف حدته.
كما يشجع الكتاب المختصين مثل أخصائيي النطق والعلاج الوظيفي والمعلمين على التعاون مع الأسرة ضمن فريق موحد يستند إلى أحدث ما توصلت إليه أبحاث الدماغ وتطور الطفل.
وبفضل احتوائه على أمثلة حية ونصائح تطبيقية لمواقف يومية – كالتعامل مع الحساسيات الحسية، فرط النشاط، الانعزال، وتطوير مهارات الحياة اليومية – يشكل هذا العمل مصدر دعم حيوي وملهم لكل من يعمل مع أطفال التوحد، مانحًا إياهم الأدوات والفهم اللازمين لتحقيق تقدم ملموس، والأهم من ذلك، الأمل في مستقبل مشرق لهؤلاء الأطفال.
مفهوم برنامج فلور تايم
برنامج فلور تايم هو نهج نمائي قائم على الفروق الفردية والعلاقات، يهدف إلى تعزيز النمو العاطفي والاجتماعي والمعرفي لدى الأطفال، خصوصًا ذوي اضطراب طيف التوحد، من خلال اللعب التفاعلي والتواصل العاطفي البنّاء مع مقدم الرعاية.
برنامج فلور تايم ليس مجرد طريقة علاجية منفصلة، بل هو استراتيجية تدخل أساسية ضمن إطار نظري أوسع وأكثر شمولاً يُعرف بـ DIR (Developmental, Individual-difference, Relationship-based)، والذي يعني "التنموي، الفروق الفردية، القائم على العلاقات".
يهدف نموذج DIR/فلور تايم إلى بناء الأسس المتينة للتنمية الصحية الشاملة للطفل، بدلاً من التركيز فقط على تعديل السلوكيات السطحية أو معالجة الأعراض المنفصلة.
يركّز البرنامج على دخول عالم الطفل من خلال متابعة اهتماماته، واستثمار هذه اللحظات التفاعلية لتعليمه كيفية تنظيم مشاعره، التواصل الثنائي، حل المشكلات الاجتماعية، وتطوير التفكير الرمزي والمنطقي.
يعتمد فلور تايم على تهيئة بيئة غنية بالعلاقات والتفاعل الحسي والحركي، تأخذ في الحسبان الفروق الفردية بين الأطفال من حيث أنماط المعالجة الحسية والإدراكية، ويستخدم اللعب – الحر والمنظم – كوسيلة رئيسية لبناء تلك القدرات.
كيف يعمل برنامج فلور تايم؟
يعمل البرنامج بشكل أساسي من خلال مقدمي الرعاية، وبالأخص الوالدين، في البيئة الطبيعية للطفل (المنزل). يُعتبر الوالدان "المعالج الأساسي" في هذه المنهجية، حيث يتم تدريبهم وتمكينهم لخلق "دوائر اتصال" تفاعلية تعتمد على مفضلات الطفل واهتماماته.
الفكرة الجوهرية هي الدخول إلى عالم الطفل الفريد من خلال اللعب والتفاعل، ثم دمجه تدريجيًا في عالمنا الاجتماعي من خلال التفاعل الهادف والمتبادل.
يُعد اللعب حجر الزاوية في هذه المنهجية، فهو ليس مجرد ترفيه، بل هو وسيلة حيوية يتعلم الأطفال من خلالها التواصل، التفكير، التعبير عن المشاعر، وحل المشكلات. يساعد اللعب التفاعلي الأطفال تدريجيًا على تنمية قدراتهم ومهاراتهم الحياتية وصولاً للاندماج الفعال مع العالم الخارجي.
أهداف برنامج فلور تايم ونتائجه الملموسة
الهدف الرئيسي للعلاج ببرنامج فلور تايم هو مساعدة الأطفال على إتقان القدرات الحرجة التي قد تكون مفقودة لديهم أو انحرفت عن مسار التطور الطبيعي. وتشمل هذه القدرات الأساسية:
القدرة على التواصل العاطفي: التفاعل مع الآخرين بدفء، ودودية، وسرور.
التواصل الهادف: القدرة على التعبير عن النوايا والاحتياجات، بدءًا بالإيماءات ثم بالكلمات، بدرجات متفاوتة حسب قدرات الطفل.
التفكير المنطقي والإبداعي: تطوير القدرة على ربط الأفكار، حل المشكلات، والتفكير بطرق مبتكرة.
وقد أظهر عدد كبير من الأطفال الذين تأهلوا بهذه الطريقة تحقيق إنجازات غير مسبوقة. لقد تمكنوا من بناء علاقات دافئة ومستقرة مع العائلة والأقران، وطوروا مهارات لفظية معقدة، ليس فقط المهارات الأكاديمية، بل أيضًا مهارات التفكير العليا مثل التفكير التلقائي، الاستنتاج، فهم الاستدلال، والتعاطف مع الآخرين.
هذه النتائج تؤكد على قدرة فلور تايم على فتح آفاق جديدة كان يُعتقد سابقًا أنها غير قابلة للتحقيق لمن يعانون من اضطراب طيف التوحد.
مبادئ برنامج فلور تايم الأساسية
يعتمد منهج غرينسبان للفلور تايم على ثلاثة مبادئ أساسية توجه التفاعلات بين الطفل ومقدم الرعاية:
اتباع قيادة الطفل لتحديد الاهتمامات العاطفية: هذا المبدأ يعني أن المعالج أو الوالد يجب أن يتبع اهتمامات الطفل ومبادراته. الهدف هو تحفيز الطفل على دفع نفسه والارتباط به وفقًا لشروطه واهتماماته الخاصة، مما يزيد من دافعيته للمشاركة.
التحدي: يتمثل في دفع الطفل لتسلق السلم النمائي بطريقة ممتعة ومرحة. يُقدم التحدي بطريقة تدريجية ومناسبة لمستوى الطفل، مما يشجعه على تجاوز حدوده الحالية.
التوسيع على هذه التحديات: يتم ذلك بطريقة ديناميكية ومستمرة. الهدف هو مساعدة الطفل على خلق شيء جديد دائمًا واختبار أنماط تفاعلية جديدة تؤدي إلى المرونة والقدرة على التكيف مع المواقف المختلفة.
مراحل العلاج والتطور في برنامج فلور تايم
يتضمن برنامج فلور تايم تسع مراحل تمثل تطور الطفل، بدءًا من المراحل الأساسية وصولاً إلى مستويات التفكير العليا، وتميز المراحل المتقدمة التطور المستمر في المراهقين والبالغين. هذا النموذج يسلط الضوء على الفهم الشامل للترابط بين العواطف والفكر.
مراحل تطور القدرات التنموية العاطفية الوظيفية (DIR):
- المرحلة الأولى: تنظيم العواطف في العالم الخارجي.
- المرحلة الثانية: التفاعل والمشاركة.
- المرحلة الثالثة: التواصل المتبادل عن قصد.
- المرحلة الرابعة: حل المشاكل الاجتماعية، تنظيم المزاج.
- المرحلة الخامسة: إنشاء الرموز واستخدام الكلمات والأفكار.
- المرحلة السادسة: التفكير العاطفي، المنطق، والشعور بالواقع.
- المرحلة السابعة: التفكير الثلاثي، متعدد الصفات.
- المرحلة الثامنة: المنطقة الرمادية، التفكير التفريقي العاطفي.
- المرحلة التاسعة: شعور متزايد بالنفس والتأمل، انعكاس على المعيار الداخلي.
مراحل التطور الاجتماعي والعاطفي للأطفال (من الولادة حتى 42 شهرًا):
التنظيم والانتباه المشترك (0-3 أشهر):
يربط الرضيع الطبيعي بين انفعالاته لأفعاله وأحاسيسه، مثل الابتسام عند رؤية والدته وسماع صوتها الدافئ، أو إدارة رأسه ليراها.
المشاركة والارتباط (2-5 أشهر):
يبدأ الرضيع في الانتباه للوالدين وتزداد التعبيرات الودودة والتواصل، مثل لمعة العين عند النظر إليهم، والابتسام ببهجة لهم.
التفاعلات العاطفية الهادفة (4-10 أشهر):
في هذه المرحلة، تظهر مجموعة من التفاعلات المستمرة مع بعض التعبيرات الانفعالية (أصوات، إيماءات اليد، وما شابه) لنقل النوايا، مثل "الحوار المبهج بدون كلمات" الذي يشمل تبادل تعابير الوجه والإشارات الأخرى ويتطلب من الطفل ربط العاطفة بالاستجابة الحركية المناسبة. مثال بسيط: رؤية اللهاية في يد الأم، أخذها منها، النظر إليها، وإعادتها للأم عندما تمد يدها مرة أخرى.
سلسلة طويلة من التفاعلات الانفعالية المستمرة والمشاركة في حل المشكلات (10-18 شهرًا):
تزداد التفاعلات الاجتماعية لتشكل سلسلة تواصل مستمرة تُستخدم لحل المشكلات. الأطفال الصغار الذين يملكون مهارات استقبالية رائعة (مثل فهم الكلمات أو تذكر الأرقام والحروف) قد يواجهون صعوبة في اجتياز هذه المرحلة إذا كانت لديهم قصور في التخطيط الحركي أو لم يجتازوا المراحل العاطفية السابقة. تشمل هذه المرحلة تشكيل الشعور بالذات.
ابتكار الأفكار (18-30 شهرًا):
من عمر سنة ونصف، يبدأ الطفل باستخدام الكلمات والعبارات بشكل هادف، ويبدأ باللعب الرمزي والتفاعل مع مقدمي الرعاية أو الأقران. يتقنون استخدام الكلمات والرموز بشكل إبداعي، ويميلون في أفضل الأحوال إلى استخدام الكلمات بشكل متكرر أو ترديدها كسيناريو مكتوب.
البعض قد لا يتكلم على الإطلاق ويتعلم استخدام الصور أو المرئيات أو الإشارات أو الكتابة. هذه المرحلة تمهد لمستويات أعلى من التخيل، الابتكار، والتفكير المنطقي في المراحل اللاحقة، وهذا ممكن فقط إذا تعلم الطفل تبادل التفاعلات العاطفية والاجتماعية واستخدام الأفكار بطريقة هادفة عاطفيًا.
بناء الجسور بين الأفكار (التفكير المنطقي) (30-42 شهرًا):
بعد استخدام الأفكار بطريقة هادفة وابتكارها وتطور التفاعلات الاجتماعية، يستطيع الطفل الآن البدء بالربط المنطقي بين الأفكار الهادفة. مثال: "أريد أن أذهب للخارج لأنني أريد اللعب". ومن خلال هذا المنطق، يستطيع ربط أفعاله بمشاعره، والتحدث بشكل منطقي عن أفكاره ومشاعره.
شاهد هذا الفيديو:
أسس برنامج فلور تايم للدكتورة إسراء جابر يناقش المبادئ والأسس الجوهرية لبرنامج فلور تايم. تستعرض فيه جوانب متعددة من البرنامج، مثل أهمية اتباع مبادرة الطفل، والمراحل التنموية التي يتناولها البرنامج، ودور التكامل الحسي.
كما يتناول الفيديو تطوير مهارات مثل التنظيم الذاتي، والمشاركة، والتواصل، وحل المشكلات، بالإضافة إلى تطبيق فلور تايم للأطفال الذين يواجهون تحديات حسية، واجتماعية، ومشكلات في الانتباه والتواصل.
ويُسلط الضوء أيضًا على الدور الحيوي لمقدم الرعاية وتفاعله مع الطفل، والمراحل المختلفة للتفاعل والمشاركة ضمن منهجية فلور تايم.
الأهمية الحاسمة للتدخل المبكر في فلور تايم
من أهم فوائد نموذج "فلور تايم" التطوري هو تشجيعه على البدء المبكر للعلاج، بدلاً من الانتظار لظهور الأعراض كاملة قبل البدء بوضع برنامج علاجي. ينتبه مقدمو الرعاية والمعالجون المدربون في فلور تايم للصعوبات التي يعاني منها الطفل في المراحل المبكرة للنمو، مثل المشكلات في طرق التعلم أو التحدث أو الاستماع أو الحركة.
كلما بدأ التدخل مع الأطفال المعرضين للخطر أو الذين يظهرون أعراض التوحد قبل فوات فترات النمو الطبيعي، وقبل أن تتضاعف أعراضهم وتصبح أكثر تعقيدًا، زادت فرصتهم في النمو بشكل أفضل على المدى البعيد وتحقيق أقصى إمكاناتهم.
تحديات وتكامل فلور تايم مع علاجات أخرى
على الرغم من الفوائد العديدة لفلور تايم، قد يواجه الأهل والمعالجون بعض التحديات عند تطبيق المنهجية. يتطلب الأمر صبرًا والتزامًا، وقد يحتاج الوالدان إلى تدريب مستمر لتكييف المنهجية مع الاحتياجات الفردية والمتغيرة لكل طفل.
من المهم أيضًا الإشارة إلى أن فلور تايم غالبًا ما يُطبق كجزء من خطة علاجية شاملة ومتكاملة.
يمكن أن يتكامل البرنامج بفعالية مع علاجات أخرى مثل العلاج الوظيفي (لتحسين المهارات الحركية والتكامل الحسي)، وعلاج النطق (لدعم التطور اللغوي)، وحتى بعض أساليب العلاج السلوكي. تساهم كل منهجية في تعزيز جوانب مختلفة من نمو الطفل وتطوره، مما يوفر دعمًا شاملاً.
الأبحاث والدراسات حول فعالية برنامج فلور تايم
لقد أظهرت الدراسات العلمية المتعددة، سواء العربية أو الأجنبية، فعالية منهجية فلور تايم بشكل كبير في تحسين مهارات أطفال التوحد وذوي الاحتياجات الخاصة:
نصر، سهى أحمد أمين (2011). "فاعلية برنامج تدخل مبكر قائم على نموذج فلور تايم لتنمية بعض مهارات اللعب لدى الأطفال ذوي اضطراب التوحد"
ركزت هذه الدراسة على تقييم فعالية برنامج تدخل مبكر يعتمد على نموذج فلور تايم في تعزيز مهارات اللعب لدى الأطفال الذين يعانون من اضطراب طيف التوحد. أظهرت النتائج بشكل قاطع أن هذا البرنامج كان فعالاً في تنمية المهارات المستهدفة لدى هذه الفئة من الأطفال، مما يدعم استخدام فلور تايم كأحد مناهج التدخل المبكر الواعدة.
Mok, J. W. S., & Chung, K. H. (2014). "Application of DIR/Floortime model in the psychiatric service for very young children with autism in Hong Kong"
تناولت هذه الورقة التجربة العملية لتطبيق نموذج DIR/Floortime ضمن الخدمات النفسية للأطفال الصغار جدًا المصابين بالتوحد في هونغ كونغ. أشار المؤلفون إلى أن النموذج يساهم بفعالية في سد الثغرات الموجودة في الخدمات الحالية لهذه الفئة العمرية. كما كشفت بعض البيانات الأولية المستخلصة محليًا عن الحاجة الملحة إلى تدريب مقدمي الرعاية على تقنيات التفاعل ضمن هذا النموذج لتعزيز نتائجه.
Salman, A. M. (2016). "Using DIR- Floor time based program to promote attachment behaviors in children with Autism Spectrum Disorders"
سعت هذه الدراسة إلى تقييم مدى قدرة برنامج قائم على DIR/Floortime على تعزيز سلوكيات الارتباط الآمن لدى الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد. كشفت النتائج أن الأطفال في عينة الدراسة كانوا يظهرون سلوكيات ارتباط غير آمنة في البداية. ومع ذلك، أظهر تطبيق برنامج فلور تايم فعالية إحصائية كبيرة في تعزيز سلوكيات الارتباط الآمن. كما لوحظ تأثير إيجابي في تخفيف حدة التوحد لدى الأطفال، حيث تحولت الحالات الشديدة إلى حالات خفيفة إلى معتدلة، مما يشير إلى تحسن شامل في تفاعلاتهم وسلوكياتهم.
Silberg, J. L., & Lapin, C. S. (2017). "Expanding our Toolkit through Collaboration: DIR/Floortime and Dissociation-Informed Trauma Therapy for Children"
يقدم هذا المقال منظورًا حول الدمج بين نموذج DIR/Floortime والعلاج الموجه نحو الصدمات والانفصال للأطفال. يصف المقال كيف يمكن لهذا التعاون أن يوسع من الأدوات العلاجية المتاحة، مع التركيز على أهمية دمج النمو العاطفي الاجتماعي مع استراتيجيات علاج الصدمات. لا تقدم هذه الدراسة نتائج كمية محددة لفاعلية فلور تايم بمفرده، بل تسلط الضوء على الإمكانات العلاجية للتكامل بين المنهجيات المختلفة.
عبد الرحمن، محمد عبد العزيز. (2018). "فاعلية برنامج تدريبي قائم علي استراتيجية الفلورتايم في تنمية مهارات التواصل الاجتماعي للأطفال الأوتيزم"
هدفت هذه الدراسة إلى تحديد مدى فعالية برنامج تدريبي مبني على استراتيجيات فلور تايم في تطوير مهارات التواصل الاجتماعي لدى مجموعة من الأطفال المصابين بالتوحد. أظهرت النتائج فروقًا ذات دلالة إحصائية بين المجموعة التجريبية (التي تلقت البرنامج) والمجموعة الضابطة في مقياس التواصل الاجتماعي وأبعاده بعد تطبيق البرنامج. يشير هذا إلى أن البرنامج التدريبي القائم على فلور تايم كان فعالاً بشكل كبير في تحسين مهارات التواصل الاجتماعي لدى الأطفال الأوتيزم.
Sariipek, A. D. (2023). "The Effectiveness of DIR/Floortime Therapy in a Child with Behavioral Problems: A Case Report"
قدمت هذه الدراسة حالة فردية لطفل يعاني من مشاكل سلوكية، واستكشفت فعالية علاج DIR/Floortime في التعامل مع هذه المشكلات. تشير النتائج المستخلصة من هذه الدراسة الحالة إلى أن تطبيق علاج DIR/Floortime كان فعالاً في تحسين السلوكيات الإشكالية لدى الطفل المستهدف في التقرير، مما يوفر دعمًا فرديًا لفاعلية هذا النهج العلاجي.
سليمان وآخرون. (2025). "برنامج مقترح باستخدام استراتيجية فلور تايم للحد من أعراض اضطراب المعالجة الحسية لدى الأطفال ذوى اضطراب التوحد وخفض سلوكياتهم النمطية"
ركزت هذه الدراسة على تصميم وتقييم برنامج تدريبي يعتمد على استراتيجية فلور تايم بهدف تقليل أعراض اضطراب المعالجة الحسية والسلوكيات النمطية لدى الأطفال ذوي اضطراب التوحد. أثبتت النتائج أن البرنامج كان فعالاً في تحقيق هذه الأهداف، حيث لوحظ انخفاض في المبالغة أو الضعف في الاستجابة للمثيرات الحسية المختلفة (البصرية، السمعية، اللمسية، وغيرها). الأهم من ذلك، استمرت هذه التحسينات في فترة المتابعة بعد انتهاء البرنامج، مما يؤكد على استدامة وفعالية التدخل.
الخاتمة
في ظل التحديات اليومية التي تواجه الأطفال ذوي اضطراب طيف التوحد وأسرهم، يبرز برنامج فلور تايم كمنهجية متكاملة لا تقتصر على تقنيات علاجية، بل تقدّم رؤية إنسانية لنمو الطفل في أبعاده العاطفية، الاجتماعية، والمعرفية.
من خلال اللعب التفاعلي، والتواصل المبني على الاهتمام الحقيقي بالطفل، يفتح هذا البرنامج أبوابًا جديدة نحو اكتشاف إمكانات قد تكون خفية، وتنمية قدرات حقيقية غالبًا ما يُساء تقديرها.
لقد أثبتت الدراسات العلمية – سواء المحلية أو الدولية – أن تطبيق نموذج DIR/Floortime يُحدث فرقًا ملموسًا في حياة الأطفال وأسرهم. فهو لا يركز فقط على تعديل السلوك أو تحسين المهارات، بل يبني أسسًا صلبة للتطور المستدام من خلال بيئة داعمة وعلاقات غنية بالمعنى.
إذا كنت تسعى إلى دعم أطفال التوحد أو أي طفل يواجه تحديات في التواصل والعلاقات، فإن تبني استراتيجية فلور تايم قد يكون الخطوة التي تغيّر المسار بالكامل.
إنها دعوة للاقتراب من عالم الطفل، لا تغييره قسرًا، بل مشاركته فيه، وتوسيعه معه خطوة بخطوة.