تمكين المكفوفين في سوق العمل: رؤية لمستقبل مستدام

specialegypt
الصفحة الرئيسية

المكفوفين والتمكين في سوق العمل: خطوات نحو مستقبل مهني شامل

بقلم د. أحمد سيد بيومي
دكتوراه في علم الاجتماع، جامعة عين شمس
يُعد تمكين ذوي الهمم في سوق العمل أحد الركائز الأساسية للتنمية المستدامة وبناء المجتمعات الشاملة. ولا تقع هذه المسؤولية على عاتق الحكومات والمؤسسات الدولية فحسب، بل هي مسؤولية اجتماعية متكاملة تستدعي تغييرًا جذريًا في المفاهيم الثقافية والممارسات المجتمعية التي تُقيد قدرات ومهارات ذوي الهمم بوجه عام، والمكفوفين بوجه خاص، مما يؤثر سلبًا على الكفاءة الإنتاجية والمشاركة الفعالة.
ومن الضروري تسليط الضوء على أهمية دمج ذوي الهمم في سوق العمل كنموذج حي على القدرة في مواجهة التحديات الاجتماعية، مع إبراز ما يعود من إيجابيات على الفرد والمجتمع نتيجة إدماجهم في مؤسسات الدولة، ووضع استراتيجية شاملة لتعزيز مشاركتهم.
ولا ينبغي أن يقتصر التمكين على توفير فرص عمل فقط، بل يجب أن يشمل مجموعة متكاملة من الإجراءات والبرامج التي تضمن مشاركة ذوي الهمم الكاملة في جميع مناحي الحياة، بما يُسهم في تغيير الصورة النمطية السلبية وتعزيز الوعي المجتمعي بقدراتهم.

أولًا: الوعي الثقافي والاجتماعي

يُعد الوعي الثقافي والاجتماعي من الدعائم الأساسية لتمكين المكفوفين – كنموذج لذوي الهمم – في سوق العمل، إذ لا تقتصر التحديات على غياب القوانين أو التسهيلات التقنية، بل تمتد إلى النظرة المجتمعية السائدة التي تقلل من قدراتهم. ومن هنا تبرز أهمية الوعي بما يلي:
1. العمل على تغيير الصورة النمطية.
2. نشر قصص النجاح والتجارب الحقيقية.
3. إبراز قدراتهم ومهاراتهم كمبدعين وأصحاب كفاءة.

ثانيًا: التشريعات والسياسات

لا يتحقق تمكين المكفوفين بالنوايا الحسنة فقط، بل يتطلب سنّ تشريعات واضحة تضمن حقوقهم في تكافؤ الفرص.
1. التشريعات الوطنية: تختلف من دولة لأخرى، لكن هناك دولًا تفرض نسبًا إلزامية لتوظيف ذوي الهمم في القطاعين العام والخاص.
2. دمج حقوق المكفوفين في قوانين العمل: عبر نصوص صريحة تُحظر التمييز على أساس الإعاقة البصرية، وتُلزم المؤسسات بتوفير التسهيلات المعقولة مثل قارئ الشاشة، التدريب المتخصص، وبيئة العمل الآمنة.
3. التحديات في التطبيق: رغم وجود القوانين، تعاني العديد من الدول من ضعف في التنفيذ والرقابة، بالإضافة إلى نقص الوعي لدى أصحاب العمل، وغياب البيانات الدقيقة حول توظيف المكفوفين، مما يعيق وضع سياسات فعّالة.

ثالثًا: التدريب والتأهيل والدعم النفسي والاجتماعي

ينبغي على مؤسسات الدولة كافة توفير برامج تدريب وتأهيل تهدف إلى تنمية مهارات ذوي الهمم الفكرية والجسدية والنفسية والتكنولوجية، بما يدفعهم للمشاركة الفعالة في سوق العمل. ذلك يعزز التنوع ويزيد الإنتاجية، ويحسن الأداء، ويقوي ثقتهم بأنفسهم، ويمنحهم شعورًا بالانتماء، مما يسهم في بناء مجتمع أكثر عدلًا وشمولًا.

رابعًا: التحديات التي تواجه المكفوفين

رغم التقدم التكنولوجي وتزايد الوعي، لا يزال المكفوفون يواجهون العديد من التحديات، منها:
1. التعليم:
- نقص المواد الدراسية بلغة برايل أو بالصوتيات.
- قلة المدرسين المؤهلين، مما يؤدي إلى افتقار المؤسسات التعليمية إلى الأساليب الحديثة والموارد المناسبة.
2. الصورة النمطية السلبية:
تنتشر مفاهيم خاطئة تفيد بأن المكفوفين غير قادرين على أداء مهام معينة، مما يؤدي إلى تردد أصحاب العمل في توظيفهم.
3. الفرص الوظيفية:
مع تطور التكنولوجيا، ظهرت فرص مهنية متعددة تناسب المكفوفين، منها:
- مراكز الاتصال
- خدمة العملاء
- التعليق الصوتي
- تحرير الصوت
- العمل في الإذاعة

خامسًا: التكنولوجيا والمعلومات

تلعب التكنولوجيا دورًا محوريًا في تمكين المكفوفين، ومن المجالات الواعدة:
1. تكنولوجيا المعلومات: باستخدام قارئ الشاشة والبرمجيات المتخصصة، يمكن للمكفوفين العمل في البرمجة، إدخال البيانات، والدعم الفني.
2. العمل الأكاديمي والبحثي: يتمتع العديد من المكفوفين بقدرة عالية على التركيز والتفكير النقدي، ما يجعلهم مميزين في مجالات التدريس والبحث العلمي.
3. المجال القانوني: يمكن للمكفوفين العمل كمحامين، أو مستشارين قانونيين، أو باحثين.
4. المجال العسكري: يمكن للمكفوفين أداء أدوار غير قتالية مثل تحليل البيانات الصوتية، الترجمة، الدعم التقني، أو العمل الأكاديمي داخل المؤسسات العسكرية.
5. ريادة الأعمال: يُبدع كثير من المكفوفين في إنشاء مشاريع خاصة، خصوصًا في المجالات الخدمية أو التكنولوجية.
6. الدعم النفسي والتدريب المعنوي.
7. المشاركة في الأبحاث العسكرية، الترجمة، الأنشطة الثقافية، أو العمل في العلاقات العامة، الشؤون القانونية، واللغات.

التوصيات

لتحقيق مستقبل أكثر شمولًا وتمكينًا للمكفوفين في سوق العمل، نوصي بما يلي:
1. تفعيل وتحديث التشريعات ومراجعة القوانين القائمة.
2. الاستثمار في البنية التحتية الشاملة وتوفير وسائل نقل ملائمة.
3. دعم البحث العلمي والتطوير المرتبط بالإعاقة.
4. إطلاق برامج توظيف واقعية ومستمرة.
5. تعزيز التعاون مع المنظمات المدنية المتخصصة.
6. تغيير المفاهيم المجتمعية والصور النمطية السلبية حول المكفوفين.
7. دعم وتشجيع ذوي الهمم على تطوير مهاراتهم وتحقيق طموحاتهم المهنية.

ختامًا،

إن تمكين ذوي الهمم – وخاصة المكفوفين – ليس مجرد خيار أخلاقي أو واجب إنساني، بل هو استثمار حقيقي في تنوع القدرات والمهارات التي تثري الاقتصاد والمجتمع. فالقوة لا تُقاس بالبصر، بل بالإصرار، والعقل، والابتكار، والمكفوفون هم نموذج حي لقدرة الإنسان على تحويل التحدي إلى إنجاز متى توفرت له الأدوات والفرص.

google-playkhamsatmostaqltradent