مقياس فاينلاند للسلوك التكيفى النسخة العربية إعداد بندر العتيبي
يُعد مقياس فاينلاند للسلوك التكيفي Vineland Adaptive Behavior Scales أحد الأدوات التشخيصية والتقييمية الرائدة عالميًا في مجال التربية الخاصة وعلم النفس.
وفي المملكة العربية السعودية، تبرز النسخة السعودية التي أعدها الدكتور بندر العتيبي عام 2004 كمرجع أساسي وأداة لا غنى عنها للمختصين والباحثين.
يهدف هذا المقال إلى تقديم كل ما تحتاج لمعرفته عن مقياس فاينلاند النسخة السعودية؛ بدءًا من مفهوم السلوك التكيفي وأهمية قياسه، مرورًا بالأساس النظري للمقياس، وصولاً إلى خطوات تطبيقه، قواعد تصحيحه، ومعايير الثبات والصدق التي تضمن موثوقيته.
ما هو السلوك التكيفي، ولماذا نقيسه؟
قبل الخوض في تفاصيل المقياس، دعنا نفهم ما هو السلوك التكيفي. إنه مجموعة المهارات المفاهيمية والاجتماعية والعملية التي يكتسبها الأفراد تدريجيًا ليتمكنوا من أداء وظائفهم اليومية والاستجابة بفعالية لمتطلبات البيئة. ببساطة، هو قدرة الفرد على العيش بشكل مستقل ومسؤول في المجتمع.
لماذا يُعد قياس السلوك التكيفي ضروريًا؟
قياس السلوك التكيفى له دوره الحاسم في التشخيص الدقيق للإعاقات النمائية والعقلية، إذ إن هذه الإعاقات غالبًا ما تكون مصحوبة بقصور في المهارات التكيفية.
كما يسهم هذا القياس في تصميم تدخلات مبكرة فعالة من خلال تحديد مواطن القوة والضعف لدى الأفراد، مما يتيح إعداد برامج موجهة بدقة.
وعلى الصعيد التربوي، يوفّر تقييم السلوك التكيفي معلومات قيمة تساعد المعلمين والأخصائيين في وضع خطط تربوية فردية (IEPs) تتناسب مع احتياجات كل طالب.
كذلك يُستخدم هذا التقييم في متابعة التقدم وقياس مدى فعالية البرامج العلاجية والتعليمية على مدى الزمن، فضلًا عن كونه أداة محورية في البحث العلمي لفهم أنماط السلوك التكيفي وعلاقتها بمتغيرات أخرى.
أهمية السلوك التكيفي في تشخيص الإعاقة الذهنية
يُعد قياس السلوك التكيفي ركيزة أساسية في عملية تشخيص الإعاقة الذهنية أو الفكرية Intellectual Disability، وذلك وفقًا للتعريفات العالمية الحديثة الصادرة عن الجمعية الأمريكية للإعاقات النمائية والعقلية AAIDD
والدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5) فالتشخيص لا يقتصر فقط على قياس القدرة العقلية معدل الذكاء IQ، بل يتطلب أيضًا وجود قصور واضح في السلوك التكيفي.
ولذا قد يستخدم تشخيص السلوك التكيفى فى:
- تقديم صورة واقعية عن كيفية أداء الفرد للمهارات اليومية، وهو ما يعكس احتياجاته الحقيقية للدعم في بيئته الطبيعية، بخلاف اختبارات الذكاء التي تقيس القدرات الكامنة.
- تحديد شدة الإعاقة الذهنية (بسيطة، متوسطة، شديدة، عميقة) وبالتالي تحديد مستوى الدعم المطلوب للفرد في مجالات حياته المختلفة، مثل العيش المستقل، التعلم، والتواصل الاجتماعي.
- تصميم خطط تدخل تربوية وتأهيلية فردية (IEPs) وبرامج دعم تركز على تنمية المهارات التي يواجه فيها الفرد صعوبة، مما يعزز من قدرته على الاندماج والمشاركة المجتمعية.
- التقليل من احتمالية التشخيص الخاطئ، خاصة في الحالات التي قد يظهر فيها الأفراد درجات ذكاء منخفضة لأسباب غير الإعاقة الذهنية (مثل الفروق الثقافية أو مشكلات التعلم النوعية).
الأساس النظري لمقياس فاينلاند
يستند مقياس فاينلاند للسلوك التكيفي إلى مفهوم شامل للسلوك التكيفي، ويعتمد على عدة مبادئ رئيسية تضمن دقته وموضوعيته:
السلوك التكيفي مرتبط بالعمر: تزداد تعقيدات المهارات التكيفية مع تقدم الفرد في العمر، ويتم قياسها وفقًا للمعايير العمرية المناسبة لكل فئة.
قياس الأداء الفعلي: يركز المقياس على الأداء الفعلي للفرد في مواقف الحياة اليومية، بدلاً من التركيز على التوقعات أو التقديرات الذاتية، مما يزيد من دقة النتائج.
التفاعل مع البيئة: يُقاس السلوك التكيفي بناءً على كيفية تفاعل الفرد مع بيئته الاجتماعية، ومدى قدرته على تلبية المتطلبات اليومية باستقلالية.
وقد خضع المقياس، منذ نسخته الأولى عام 1935 على يد إدغار دول Edgar Doll تحت اسم "مقياس فاينلاند للنضج الاجتماعي"، لتعديلات وتحديثات متعددة.
لاحقًا، قام كل من سارا سبارو Sara Sparrow، دافيد بالا David Balla، ودومينيك شيكشتي Domenic Cicchetti بتطويره في صورته الحديثة عام 1984، ليشمل أبعادًا جديدة مثل التواصل، مهارات الحياة اليومية، التنشئة الاجتماعية، المهارات الحركية، والسلوك غير التكيفي.
مقياس فاينلاند النسخة السعودية 2004: التكييف والتقنين
قام الدكتور بندر بن ناصر العتيبي من جامعة الملك سعود بجهد بحثي وعلمي كبير في تكييف وتقنين النسخة السعودية لمقياس فاينلاند عام 2004.
كان الهدف من هذا الجهد هو ضمان توافق المقياس مع الثقافة المحلية والمعايير الاجتماعية في المملكة العربية السعودية، مما يجعله أداة تقييمية موثوقة ودقيقة في البيئة العربية.
أهمية النسخة السعودية:
الملاءمة الثقافية: تم تكييف بنود المقياس لتناسب العادات والتقاليد والقيم السائدة في المجتمع السعودي.
التقنين المحلي: تم تطبيق المقياس على عينات ممثلة من الأفراد في المملكة، مما يوفر معايير أداء محلية يمكن مقارنة أداء الأفراد بها.
الموثوقية والصدق: خضع المقياس لإجراءات تحقق من موثوقيته وصدقه في البيئة السعودية، مما يؤكد جودة نتائجه.
دعم البحث العلمي: أصبح المقياس أداة أساسية للعديد من الدراسات والأبحاث في الجامعات ومراكز البحث السعودية.
الثبات والصدق: ضمان موثوقية المقياس
يعتمد مقياس فاينلاند للسلوك التكيفي على معايير دقيقة للتحقق من مدى ثباته وصدقه، مما يضمن أنه يقيس فعليًا السلوك التكيفي لدى الأفراد المستهدفين.
الثبات Reliability: تم حساب معاملات الثبات باستخدام عدة طرق، منها طريقة إعادة الاختبار Test-Retest التي أظهرت درجة عالية من الثبات، مما يعني أن المقياس يقدم نتائج متسقة عند تطبيقه على نفس الأفراد في أوقات مختلفة.
كما تم استخدام أسلوب الاتساق الداخلي Internal Consistency حيث تبين أن جميع الأبعاد الفرعية للمقياس مترابطة بشكل قوي، مما يعزز من مصداقيته.
الصدق Validity: تم التحقق من الصدق عبر عدة إجراءات:
الصدق التلازمي: Concurrent Validity مقارنة نتائج مقياس فاينلاند مع مقاييس أخرى تقيس نفس الأبعاد، حيث أظهرت النتائج تطابقًا كبيرًا.
الصدق التنبؤي Predictive Validity: أظهرت الدراسات أن المقياس قادر على التنبؤ بمستوى الأداء التكيفي للفرد في المستقبل بناءً على نتائجه الحالية.
الاعتماد الرسمي للمقياس
يُعد مقياس فاينلاند للسلوك التكيفي من الأدوات المعتمدة رسميًا في العديد من الدول والمؤسسات الأكاديمية والعلمية. النسخة العربية، ولا سيما النسخة السعودية للدكتور بندر العتيبي، تحظى باعتراف رسمي من الجهات الأكاديمية والبحثية في المنطقة.
خطوات تطبيق مقياس فاينلاند بفاعلية
يتم تطبيق مقياس فاينلاند للسلوك التكيفي عادةً من خلال مقابلة شبه منظمة مع شخص مطلع على سلوك الفرد الذي يتم تقييمه (مثل الوالدين، مقدم الرعاية، أو المعلم). يجب أن يكون الفاحص مُدربًا على استخدام المقياس ولديه فهم جيد لبنوده.
خطوات التطبيق الأساسية:
الاستعداد:
- التأكد من توفر كتيب المقياس وورقة الإجابة.
- تحديد العمر الزمني للمفحوص بدقة (بالشهور) لاختيار نقطة البداية المناسبة.
المقابلة:
- طرح الأسئلة على الشخص المطلع بطريقة واضحة ومحايدة.
- طلب أمثلة محددة لسلوك الفرد لضمان دقة الإجابات.
التسجيل:
تسجيل الإجابات وفقًا لنظام الدرجات المحدد:
- (0) لا، أبداً: الفرد غير قادر على أداء المهمة.
- (1) أحيانًا: الفرد يؤدي المهمة في بعض الأحيان، ولكن ليس باستمرار.
- (2) نعم، عادةً: الفرد يؤدي المهمة بانتظام وبنجاح.
- (م) لم تسنح الفرصة: لم تُتاح الفرصة لملاحظة السلوك.
- (ع) لا أعرف: الشخص المطلع لا يعرف عن السلوك.
شروط مهمة أثناء التطبيق:
- يجب توجيه الأسئلة للشخص الأكثر معرفة بسلوك المفحوص.
- يُسجل السلوك الفعلي للفرد وليس التوقعات حول أدائه.
- لا يوجد وقت محدد صارم للتطبيق، لكنه يتطلب وقتًا كافيًا لجمع معلومات دقيقة.
أخطاء شائعة يجب تجنبها:
- عدم التأكد من العمر الزمني عند تحديد نقطة البداية.
- تسجيل إجابات بناءً على التوقعات بدلاً من الملاحظة الفعلية للسلوك.
- عدم اتباع نظام تسجيل الدرجات الصحيح، مما قد يؤدي إلى نتائج غير دقيقة.
خطوات تصحيح مقياس فاينلاند للسلوك التكيفي واستخراج النتائج
أولًا: كيفية رصد الدرجات
في
كل بند من بنود المقياس، يتم اختيار إحدى القيم التالية:
الرمز |
التفسير |
2 |
الطفل يؤدي السلوك دائمًا أو باستمرار |
1 |
الطفل يؤدي السلوك أحيانًا |
0 |
الطفل لا يؤدي السلوك أبدًا |
م |
لم تُتح الفرصة لملاحظة السلوك |
ع |
لا يعرف المجيب هل الطفل يؤدي السلوك
أم لا |
ملاحظة: الرمزان (م) و(ع) لا يُحسبان في المجموع الكلي إلا إذا اضطررت لذلك،
وغالبًا يُعطى كلٌ منهما (1) في هذه الحالة، ولكن يُفضل إعادة التطبيق مع شخص يعرف الطفل أكثر.
ثانيًا: تحديد "العمر القاعدي" و"العمر السقفي"
- العمر القاعدي: إذا حصل الطفل على درجة (2) في سبعة بنود متتالية.
- العمر السقفي: إذا حصل الطفل على درجة (0) في سبعة بنود متتالية.
الهدف من القاعدة والسقف هو تحديد المدى الذي تقع فيه قدرات الطفل.
ثالثًا: حساب الدرجات الخام
- اجمع جميع الدرجات (0، 1، أو 2) في كل بعد فرعي.
- ثم اجمع درجات الأبعاد الفرعية داخل كل بعد رئيسي.
- اكتب المجموع الكلي لكل بعد في استمارة النتائج.
رابعًا: تحويل الدرجات الخام إلى درجات معيارية
- يتم استخدام الجداول الخاصة بالمقياس لتحويل الدرجات الخام إلى درجات معيارية (تائية)، وذلك حسب عمر الطفل الزمني.
- تسجّل الدرجة المعيارية في استمارة "ملخص النتائج".
تصنيف
مستوى السلوك التكيفي (متى نقول إن الطفل طبيعي أو فوق المتوسط):
سادسًا: حساب العمر المكافئ والعمر السلوكي
- استخدم الجداول لتحويل الدرجات الخام إلى عمر مكافئ لكل بعد.
- ثم احسب العمر السلوكي بجمع الأعمار المكافئة وقسمتها على عدد الأبعاد.
هذا يُظهر مستوى النمو التكيفي الحقيقي للطفل مقارنة بعمره الزمني.
سابعًا: تشخيص الحالة وتحديد وجود تأخر
إذا كانت الدرجة المعيارية في بُعدين أو أكثر أقل من 70، وكان هناك أيضًا ضعف في القدرة العقلية (نسبة الذكاء منخفضة)، فهناك مؤشرات قوية على تخلف عقلي أو تأخر نمائي.
ثامنًا: تصميم خطة علاجية (تأهيلية)
بناءً على جوانب الضعف:
- يتم اختيار مهارات محددة من المقياس.
- توضع لها أهداف سلوكية قابلة للقياس.
- تُحدد الوسائل التعليمية المناسبة، والتوقيت، وطريقة التقييم.
تحميل المقياس:
تحميل النسخة الكاملة الرسمية من مقياس فاينلاند بندر العتيبي
(كتيب المقياس وأوراق الإجابة وجداول التقنين)
المصادر:
العتيبي، بندر بن ناصر (2004). صورة معدلة ومنقحة لمقياس فاينلاند للسلوك التكيفي، كلية التربية، جامعة الملك سعود.
الخلاصة
يُعد مقياس فاينلاند للسلوك التكيفي (النسخة السعودية 2004) أداة لا غنى عنها في مجال التربية الخاصة وعلم النفس في المملكة العربية السعودية.
فهم هذا المقياس وتطبيقه وتفسير نتائجه بدقة يُمكّن المختصين من تقديم دعم أفضل للأفراد ذوي الاحتياجات الخاصة، والمساهمة في تطوير برامج التدخل الفعالة، ودفع عجلة البحث العلمي في هذا المجال الحيوي.
نأمل أن يكون هذا المقال قد قدم لك دليلًا شاملًا وقيّمًا حول هذا المقياس المهم. إذا كان لديك أي أسئلة أو تجارب تود مشاركتها حول استخدام مقياس فاينلاند، فلا تتردد في ترك تعليق!
اقرأ أيضا: التربية الخاصة | المفهوم، الأسس، الرواد، وأهم الاستراتيجيات الحديثة